قال تعالى :"كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ لِتُخْرِجَ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ"
مذ كنا صغارا ونحن نسمع أن القرآن كلام الله، وكنت وما زلت كلما سمعت هذه الكلمة تراودني قشعريرة تأخذني بعيدا في الفكر والتبحر في هذا الفضل العظيم وهذه المنة الكبرى التي منحنا إياها الخالق العظيم والمنان الكريم، فأنزل على نبينا كلامه الأزلي ليكون ضياءا في حياتنا ونورا وشفاء لما في صدورنا ومنهجا لوجودنا ودستورا لكل حركتنا في هذا الكون الفسيح.
إن المتأمل بالقرآن الكريم يجد أنه رسم لنا منهجاً في الوسطية في شتى جوانب الحياة، أخلاقاً وسلوكاً، تصوراً وعملاً، بقوله تعالى "وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِّتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ"، بل ونرى أن القرآن يحارب الإفراط والتفريط والغلو والجفاء. أما الشهادة على الناس، فهي تستوجب المعرفة بهم والقرب منهم لتأتي الشهادة بالحق والعدل والقسطاس المستقيم.
ولأن الوسطية هي صنو للإعتدال وحماية من الجنوح نحو التطرف، فإنها غدت النهج الذي من خلاله نستطيع مواجهة ظاهرة التطرف التي اقتحمت بأشكال مختلفة منطقتنا، وأربكت دولها وأنظمتها وأحرجت شعوبها .وإذا كان ثمة من يرى في التطرف خياراً وأسلوب عملٍ يرتكزان على تعاليم الدين، فإننا نرى في المقابل أن هذه المقولة لا تستقيم لأن
الرسالات السماوية، على تعددها، تأمر بالإعتدال وتنهى عن التزمُّت وتنادي بالتسامح، وتدين العنف الذي يستخدم تعاليم الدين لتبرير نفسه.
من هنا، وانطلاقا من هذه الرؤية، وإيماناً منّا بدور القرآن الكريم، فإننا ندعم كل نشاط قرآني، يخدم هذا الهدف النبيل. وتتويجاً لما تبنّيناه وبدأناه، وحفاظاً على الصورة المشرقة لوسطية القرآن في لبنان، وخصوصاً في طرابلس، فإننا نعلن عن إطلاق جائزة عزم طرابلس الدولية للقرآن الكريم حفظاً وتلاوة وتفسيراً، وبمباركة صاحب السماحة مفتي الجمهورية اللبنانية، لتكون مدينتنا سفيرة القرآن على منهج الوسطية والإعتدال، كما كانت من قبل مدينة العلم والعلماء، ومدينة العيش الواحد والاخاء، فإنها ستبقى سفيرة القرآن على منهج الوسطية بالقرآن ومع أهل القرآن.
وقد أنشأنا لهذه المسابقة هيئة تشرف عليها، وتسهر على تنظيمها وفق المعايير الدولية المعمول بها، ووفق أحدث وأرقى الأساليب العلمية والعملية، ولن نوفر أي جهد أو نوع من الدعم لتكون مسابقة عزم طرابلس الدولية بأبهى حلة وأرقى نموذج، لحقيقة القرآن ولحقيقة طرابلس مدينة الصبر والاعتدال والوسطية.
واني أوصي نفسي وإياكم لنأخذ هذا القرآن بقوة، ولننشر تعاليمه للعالم كله برفق، ولنعلمه للناس بحلم، ولنحافظ على وقاره في حياتنا. فأهل القرآن هم الواجهة والعنوان، وهم الذخر والضمان، وهم المثل والبرهان.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.